تدابير الحد من ظاهرة تجنيد المرتزقة في القانون الدولي

No Thumbnail Available

Date

2024-12-08

Journal Title

Journal ISSN

Volume Title

Publisher

جامعة الاسكندرية

Abstract

تعتبر ظاهرة تجنيد المرتزقة من الظواهر السلبية التي تعاني منها الدول نظراً لطبيعتها العالمية وتأثيرها على الأمن والاستقرار الدولي، هذا ولا يعد الإرتزاق العسكري من الظواهر الحديثة، بل هو قديم ويمتد تاريخه إلى العصور الوسطى، حيث كان المرتزقة يُستخدمون في الحروب والصراعات الداخلية، أما في الوقت الحاضر فإن استخدامهم شمل النزاعات المسلحة الداخلية والخارجية، الأمر الذي من شأنه أن يهدد الأمن الإقليمي والدولي، كما تشكل أعمال المرتزقة خطراً داهماً على السلم والأمن في مناطق الصراعات المسلحة في مختلف أنحاء العالم. فالمرتزقة هم عمالة عسكرية يتم تجنيدهم من قبل الدول أو الجماعات المسلحة للقيام بمهام عسكرية معينة، ويتم تجنيدهم مقابل دفع مبالغ مالية ضخمة لتعويض نقص الجيش الرسمي أو لتنفيذ مهام خاصة، وعليه يتم تدريبهم على القتال والتعامل مع الأسلحة المختلفة، ليكونوا مؤهلين للاستخدام والقتال في الصراعات الداخلية والحروب الدولية، ولكن بشكل غير نظامي ووحشي من شأنه الإضرار باستقرار ومصالح الدول وزيادة حدة النزاع المسلح، ويحفزه أساسًا للمشاركة في هذه الأعمال القتالية الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، حيث تقدم له أطراف من النزاعِ أو من ينوب عنها مقابلاً مجزيًا قد يتجاوز ما تقدمه هذه الأطراف للمقاتلين النظاميين المنخرطين في جيوشها. ومما لا شك فيه أن طبيعة ظاهرة تجنيد المرتزقة من شأنها التأثير على الأمن والاستقرار في الدول، حيث يؤدي تجنيد المرتزقة إلى زيادة الصراعات الداخلية في الدول، وما تسببه من خسائر في الأرواح والممتلكات إضافةً لتأثيرها بشكل سلبي على سياسية البلدان التي تتعرض لهذا التهديد وعلى اقتصادها نتيجة لما يقوم به المرتزقة من أنشطة غير شرعية وإجرامية، فضلاً عن تهديد الأمن الدولي من خلال استخدام المرتزقة في الحروب الدولية، وهذا يؤدي إلى تهديد الأمن الدولي والإقليمي. ونجد أن القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني اهتم بتحديد مفهوم المرتزقة في العديد من الإتفاقيات الدولية والإقليمية، وذلك لما يسببه استخدام المرتزقة من ارتكاب أفظع الجرائم اللاإنسانية واللاأخلاقية، وتكبد الدول أضرارًا فادحة، فقامت هذه الاتفاقيات بتحديد مفهوم المرتزقة، وتجريم الأفعال التي يرتكبونها، ومن ثم تحديد المسئولية والعقاب على مرتكبيها. وانطلاقاً من ذلك نجد أن المجتمع الدولي قد تنبه لهذا الخطر الداهم ومدى تأثيره عند مشاركة مثل هؤلاء المرتزقة في نزاعات مسلحة متجردين من عقيدة يقاتلون خدمة لها أو مبادئ يؤمنون بها، وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة إلا أنها مازالت قائمة ويتزايد الطلب عليها في النزاعات المسلحة الدولية، حيث أصبحت الكثير من الدول تقوم باستخدام المليشيات الغير نظامية من المرتزقة في الحروب التي تشنها في مناطق النزعات الدولية، حيث نرى أن الشركات الأمنية الخاصة التي تقوم بتجنيد المرتزقة وتأجيرهم ازدهرت أعمالها . وقد اتجهت الكثير من الدول إلى التعاون مع الشركات الأمنية للقيام بالعديد من المهام التي من المفترض أن تقوم بها قواتها الخاصة، لأسباب متعددة سواءً للتخلص من الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي على الدول التي تقوم بينها نزاعات مسلحة، أو لعدم التورط بشكل مباشر في نزاع مسلح يسبب خسائر بشرية كبيرة في القوات المسلحة مما قد يثير الرأي العام المحلي تجاه النظام الحاكم، وأصبح في السنوات الأخيرة من الطبيعي والمألوف أن ترى هذا الاستخدام في مختلف النزاعات العسكرية في مختلف أنحاء العالم، وبالرغم من أن ظاهرة المرتزقة من الظواهر التي عرفتها المجتمعات البشرية منذ القدم إلا إنها أصبحت تشكل أداة من أدوات القتال الحديثة في الحروب وقد شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا لعمليات تجنيد المرتزقة بشكل واضح خصوصاً في الثلث الأخير من القرن العشرين وحتى يومنا هذا، فقد أصبح تجنيد المرتزقة مهنة احترافية جذبت العديد من الطامحين بالثروات أو الراغبين بتلبية نزعاتهم الإجرامية، وأصبح دور تجنيد المرتزقة من المظاهر البارزة التي شهدتها المنازعات سواء كانت دولية أو غير دولية، وأمام طبيعة النشاطات والممارسات الغير إنسانية التي يمارسها المرتزقة أثناء المنازعات تزايد الاهتمام الدولي لإدانة أعمال تجنيد المرتزقة والحد من تلك الظاهرة لما تمثله من تجاوزات وانتهاكات. ولعل واقع الحال الذي نعيشه في وقتنا الحاضر على الصعيد الإقليمي في استخدام المرتزقة في ليبيا والعراق وسوريا، أو على الصعيد الدولي في استخدامهم في الحرب بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا يثير التساؤلات حيال أهمية مراجعة موقف القانون الدولي من ظاهرة تجنيد المرتزقة وحول كفاية الجهود الدولية في مكافحة هذه الظاهرة، ويستدعي دراسة مدى التزام الدول بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تم إبرامها بشأن ظاهرة المرتزقة والتي تجرم إيواء أو تنظيم أو تمويل أو مساعدة أو تسليح أو تدريب أو استخدام المرتزقة بأي شكل من الأشكال . حيث نرى تزايدًا في استخدام أطراف النزاعات المسلحة على مستوى العالم للمرتزقة في المعارك الطاحنة التي تدور بين البلدان وفي بعض الحالات تكون قوات المرتزقة هي رأس الحربة في هذه المعارك، وذلك يعزز الحاجة لمراجعة متعمقة للتشريعات التي جاءت بها الإتفاقيات الدولية بهدف الحد من هذه الظاهرة، واستعراضًا لمدى فعالية الالتزامات التي تضمنتها هذه الاتفاقيات على الدول بشكل عام وعلى كل دولة على حده، وتأثير هذه التدابير التي تضمنتها هذه الاتفاقيات ومدى مساهمتها في ردع من يستعين بالمرتزقة في النزاعات المسلحة التي يشهدها العالم حاليًا في مناطق نزاع مختلفة، . تم رصد استخدام المرتزقة والمليشيات الأجنبية في هذه النزاعات بما يخالف قواعد القانون الدولي التي جاءت بها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، بعد ما أفرزته المنازعات المسلحة مؤخراً في سوريا وليبيا وأوكرانيا وروسيا والعراق وغيرها من مناطق النزاع من ظاهرة المقاتلين الأجانب أو المدافعين عن الحرية، حيث تثير الشكوك حول ظاهرة الارتزاق واحتمالية الالتفاف عليها من خلال مقاربات ومصطلحات أخرى مثل التطوع والتصدي للعدوان أو الوقوف إلى جانب قضايا الشعوب المضطهدة بعد استخدام العديد من الدول تبريرات تحت هذا السياق. كما أن هذه الظاهرة من شأنها أن تؤدى إلى ارتفاع معدلات الفساد في الدول حيث يتم دفع مبالغ مالية ضخمة لتجنيد المرتزقة وهي مبالغ متعددة المصادر وفي الغالب يكون مصدرها غير شرعي، أضف إلى ذلك التأثيرات النفسية السلبية لظاهرة تجنيد المرتزقة على المجتمعات، حيث يزيد من العنف والجريمة والفوضى، ونظرا لخطورة تلك الظاهرة فإن القانون الدولي قد اتخذ عدة تدابير للحد منها، ومن أبرز هذه التدابير ما تم إبرامه من اتفاقيات وما اتخذ من قرارات من قبل المنظمات الدولية المعنية، ومن ذلك: 1. اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949، والتي تحظر بشكل صريح تجنيد المرتزقة في النزاعات المسلحة. 2. الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد واستخدام وتمويل وتدريب المرتزقة لعام1989. 3. اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عام 2000، والتي تحظر تجنيد المرتزقة وتدعو الدول إلى تبادل المعلومات والتعاون في مكافحة هذه الظاهرة. 4. قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970 عام 2011، والذي يحظر تجنيد المرتزقة في ليبيا ويفرض عقوبات على الدول التي تدعم هذه الظاهرة. 5. قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139 عام 2014، والذي يحظر تجنيد المرتزقة في سوريا ويدعو الدول إلى عدم تقديم الدعم المالي واللوجستي لهم. وعلى الرغم من أن اتفاقيات لاهاي لعام 1907 لم تشر صراحة إلى المرتـزقة؛ إلا أن اتفاقية لاهاي الخامسة بشأن حقوق وواجبات الدول المحايدة والأشخاص المحايدين في زمن الحرب والموقعة في 18 أكتوبر 1907، تتناول الآثار المترتبة على نشاط الإرتزاق في حالة الحياد حيث تنص المادة 4 على أنه "لا يجوز أن تشكل فرق من المقاتلين، ولا تفتح مكاتب للتجنيد على أرض دولة محايدة لمساعدة الأطراف المتحاربة في نزاع مسلح" وعندما فتحت اتفاقيات جنيف للتوقيع عام 1949 لم تتضمن أية إشارة إلى المرتزقة حيث كان البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق بهذه الاتفاقيات هو أول وثيقة دولية من وثائق القانون الدولي الإنساني تتناول بالتحديد وضع المرتزقة ، ويعود الفضل في إدخال وضع المرتزقة وتحديد معنى المرتزق إلى وفد نيجريا الذي اكتوت بلاده من نيران المرتزقة في أثناء حربها الأهلية، المعروفة باسم حرب بياقرا في عام 1967، حدث قام الوفد بتقديم اقتراح إلى مجموعة العمل في اللجنة الثالثة للمؤتمر الذي من خلاله صيغت المادة 47 لتشمل مفهوم ومعنى المرتزقة وتحديد مركزهم القانوني. إن أنشطة المرتزقة لا تزال تزداد في عدة أنحاء من العالم، الأمر الذي يثير القلق الدولي ليس في تزايد أنشطة المرتزقة فحسب، بل يعد أيضًا مصدراً للقلق اتخاذ المرتزقة أشكالاً جديدة لاكتساب بعض مظاهر الشرعية، التي تسمح لهم بالعمل بطريقة أكثر تنظيمًا، وفي النهاية للحصول على مكافآت أكبر، وهذا ما يجعل هناك تزايد على طلب المرتزقة وتوفر الأشخاص المستعدون إلى أن يكونون مرتزقة وهذا يشكل خطر على الأمن والسلم في البلدان. ومن أكثر القارات تأثرًا بالمرتزقة هي القارة الأفريقية؛ وبسبب ذلك قامت العديد من الدول بتكثيف جهودها للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها، وقد تبلورت هذه الجهود في إبرام اتفاقيات على المستوى الإقليمي . حيث أفرزت الجهود الأفريقية عن توقيع اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية للقضاء على المرتزقة لعام 1977 وتعد اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية من أوسع الاتفاقيات الإقليمية التي تطرقت إلى موضوع المرتزقة، فقد جاءت هذه الاتفاقية بعد أن عانت أغلب الدول الأفريقية من جرائم المرتزقة وعانت من الخراب والدمار الذي تسببها هذه الجرائم، قد مرت اتفاقية مكافحة أو القضاء على المرتزقة بعدة مراحل إلى أن أقرتها مجموعة الدول الأفريقية عام 1977 بمدينة (ليبرفل) بجمهورية الغابون ودخلت حيز التنفيذ عام 1985. وبناء على ذلك فإننا نجد هذه المعضلة التي أصبحت ظاهرة لا يمكن غض النظر عنها إضافة إلى ضرورة فهم الوضع القانوني للمرتزقة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وتقييم للقرارات الأممية التي جاءت بتدابير وتوصيات للحد من ظاهرة تجنيد المرتزقة، في ظل ازدياد مساهمة الأفراد في النزاعات المسلحة في دولة أخرى لا يحملون جنسيتها، من خلال المشاركة مع القوات النظامية للبلد في العمليات العسكرية التي تقوم بها سواء على أراضيها أو في مواجهة دولة أخرى، وقد أدى ذلك إلى اتخاذ بعض الأشخاص ذلك مهنة لكسب العيش ويقومون بتقديم خدماتهم لمن يدفع الثمين الأكبر دون النظر إلى مشروعية النزاع المسلح الذي يشاركون فيه أو أسباب اندلاعها أو مدى التزام أطرافها بالمبادئ الإنسانية. وحيث نرى تزايدًا للاهتمام الدولي في أنشطة وأعمال المرتزقة والتي طالما اعتبرت منافية لقواعد القانون الدولي كما أنها منافية للأخلاق، ونظرًا لأهمية هذه الظاهرة وازدياد استخدامها في المنازعات الدولية وتوجه الدول لاستبعاد استخدام القوات النظامية في هذه الحروب وتفضيلها استخدام مجموعات قتالية غير نظامية سواء من حاملي جنسية الدولة أو من جنسيات أخرى مختلفة، وانطلاقًا من الجهود التي بذلت لمحاولة تجريم ظاهرة الارتزاق واستخدام المرتزقة في النزاعات المسلحة، ومن موقف القانون الدولي الإنساني من أعمال المرتزقة الذي انطلق من أن المرتزق هو مقاتل ليس له قضيه يقاتل من أجلها، كما أنه لا يرتبط بأي قيم تحكم أفعاله في ساحات القتال حيث يكون الكسب المادي هو الهدف الأسمى لديه ولا يعير أي اهتمام لمدى استمرار أو إيقاف الحرب، ولهذا جاءت التشريعات الجماعية الدولية لتؤكد على تجريم نشاطاته وتحديد مسؤوليته الجنائية إضافة إلى تحديد مركزه القانوني، إضافة إلى حظر كافة صور المرتزقة في الاتفاقيات الدولية. إن الطلب على المرتزقة يزداد في كافة النقاط الساخنة في العالم لأن اللجوء إليها يعد حرباً غير علنية أو أداة للتدخل كقوة ردع ضد الدولة الغير متفق معها ، وهو ما يظهر أهمية مراجعة المعاهدات والاتفاقيات الدولية وما صدر عن المنظمات الدولية للوقوف على ما جاء فيها من أحكام وتشريعات تعالج مسألة تجنيد المرتزقة وكيفية التعاون الدولي في مكافحة هذه الظاهرة، واذا ما كانت هذه التشريعات كافية على صعيد الالتزام الدولي أو التزام كل دولة بمكافحة ظاهرة تجنيد واستخدام المرتزقة في ظل التحولات التي حدثت في طرق وأساليب استخدام المرتزقة في النزاعات المسلحة .

Description

Keywords

تدابير, الحد, ظاهرة, الجنو, د المرتزقة, القانو, ن الدو, لي

Citation

Collections

Endorsement

Review

Supplemented By

Referenced By

Copyright owned by the Saudi Digital Library (SDL) © 2025