بناء الإنسان في السيرة النبوية ــ دراسة تاريخية

Abstract

تُشكِّل عملية بناء الإنسان الجادة والمبنيَّة على أصول سليمة حجر الزاوية في بناء ونماء الحضارات البشرية المرموقة والمتقدمة، وقد كان هذا هو همُّ الأنبياء والمصلحين عبر التاريخ، ففي عصر الرسالة استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يصنع من خلال إعادة بناء الإنسان تاريخًا جديدًا للحياة الإنسانية، فقد بنى نفوسًا، وجمع أشتاتًا، ووحَّد أمة، واقام دولة وكل ذلك بتخطيط بارع، وأسلوب جامع، وحصافة تفكير، وحسن تدبير. وفي النجاح المبهر والعبقرية المذهلة لمظاهر وأساليب ونتائج بناء الرسول عليه السلام للإنسان في شتى مجالات الحياة المتنوعة ما يُحتِّمُ دراسة هذه الظاهرة النادرة والتجرية الفريدة، وهي مشكلة الدراسة هنا، وذلك للوقوف على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في بناء الإنسان ومنحه القدرة على التخلص من رذائل الممارسات التائهة في دروب الجاهلية الأولى، الغارقة في ظلام التبعية والتقليد، الضالة في متاهات العصبية، ليتحوَّل إلى شخصٍ صحت عقيدته، وحسن إسلامه، ونشطت همته، فأقبل وقد استعاد إنسانيته المفقودة وكرامته المكلومة إلى القيام بالدور الذي عهد الله إليه أن يقوم به، وارتفع إلى المرتقى السامق الوضيء الذي أراده له الإسلام دين السلم والسلام. ومن مقاصد هذا العمل العلمي إبراز الجانب البشري في بناء الإنسان من خلال بيان خصائص شخصية النبي الباني، وتقصي أبرز الوسائل والأساليب التي اعتمد عليها صلوات ربي وسلامه عليه، وعبر إحياء الموقف التاريخي باستحضار جمعٍ من شواهد تطبيقات البناء العملية في عددٍ من مجالات الحياة وإخضاعها لقراءة فاحصةٍ تحليلية متأنية، ثم رصد الأثر المبارك الذي خلَّفه البناء النبوي في رفع مكانة جيل الصحابة رضوان الله عليهم؛ وذلك للاقتداء والتأسي به عند بناء إنسان الحاضر وإنسان الأجيال والمجتمعات القادمة. وتمت معالجة الموضوع في تمهيدٍ تناول مفهوم بناء الإنسان، ثم عرض للعوامل المؤثرة في بناء الإنسان قبيل الإسلام، وجاء صلب الرسالة في أربعة فصول هي: منهج النبي صلى الله عليه وسلم في بناء الإنسان، والبناء العقدي والسلوكي، والبناء الصحي والبيئي، والبناء الأمني والعسكري، وذلك باتباع المنهج التاريخي القائم على الوصف والاستقراء والتحليل والاستنتاج. وقد خلُصت الدراسة إلى نتائج من أهمها: أن أعظم ما يؤثر في جودة بناء الإنسان هو القدوة الحسنة، وقد تمثلت في العهد النبوي بشخصية الرسول البشرية الكاملة، ثم أشارت إلى أن تطبيقات بناء النبي صلى الله عليه وسلم جاءت عبر وسائل مختلفة وأساليب متنوعة وطرائق غاية في الإتقان والإبداع، ومن خلال التزام الوسطية في المنهج والوسيلة والمحتوى مع الحرص على تفعيل التدرج والواقعية والاعتدال مع المستهدفين بالبناء النبوي. كما توصلت الدراسة إلى أن تطبيقات بناء الإنسان في السيرة النبوية قد شملت جميع ميادين حياة الناس، كما عُنيت بجميع الفئات العمرية، وكافة الشرائح الاجتماعية، مما أثمر جودةً في بناء الفرد والأسرة والمجتمع خلال عصر دولة الرسول. وفي النتائج تأكيدٌ على أن بناء إنسان السيرة لم يكن سهلًا سالما من العقبات والمنغصات الكبيرة والكثيرة، ورغم ذلك أثمر بناء الرسول للإنسان في صناعة جيلٍ لم يعرف له التاريخ مثيلًا، ومجتمعًا راقيًا لا نظير له، ودولةً موحدةً قائمةً على الكتاب والسنة في مجتمعٍ لم يكن في العالم أكثر تشتتًا منه.